روائع مختارة | قطوف إيمانية | في رحاب القرآن الكريم | سرحوهن بمعروف.. فارقوهن بمعروف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > في رحاب القرآن الكريم > سرحوهن بمعروف.. فارقوهن بمعروف


  سرحوهن بمعروف.. فارقوهن بمعروف
     عدد مرات المشاهدة: 2495        عدد مرات الإرسال: 0

في سياق حديث القرآن الكريم عن أحكام الطلاق، وردت الآيتان الكريمتان:

الأولى: قوله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} (البقرة: 231).

الثانية: قوله سبحانه: {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} (الطلاق: 2).

في الآية الأولى جاء الأمر:

إما بإمساك المرأة المطلقة، بمعنى إرجاعها إلى عصمة الزوج، وإما بتسريحها، بمعنى البت في طلاقها. أما في الآية الثانية، فقد جاء الأمر: إما بإمساك المرأة المطلقة، وإما بفراقها، أي تطليقها. فما وجه المغايرة بين لفظي (التسريح) و(المفارقة)؟ ولماذا اختص سبحانه كلاً من الموضعين بلفظ مغاير؟ لنرَ ما يقوله أحمد بن الزبير الغرناطي صاحب كتاب "ملاك التأويل" في هذا الصدد:

قال: إن آية البقرة جاءت في سياق النهي عن مضارة النساء، وتحريم أخذ شيء منهن، ما لم يكن منهن ما يسوغ ذلك، كأن لا يقيمن شرع الله، أو لا يلتزمن بأحكامه، وأتبع ذلك بالمنع عن عضلهن، وتكرر في أثناء ذلك ما يُفيد الأمر بمجاملتهن.

والإحسان إليهن حالي الاتصال والانفصال، لم يكن ليناسب ما قصد من هذا أن يعبر بلفظ {أو فارقوهن بمعروف}؛ لأن لفظ (الفراق) أقرب إلى الإساءة منه إلى الإحسان، فعدل إلى ما يحصل منه المقصود مع تحسين العبارة، وهو لفظ (التسريح).

فقال سبحانه: {فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف}، وليتسق مع ما تقدم من قوله عز من قائل: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} (البقرة: 229)، وقال هنا: {بإحسان} ؛ ليناسب ما به تعلق المجرور من قوله سبحانه: {أو تسريح}، وقد روعي في هذه الآيات كلها مقصد التلطف، وتحسين الحال في الإمساك والافتراق.

ولما لم يكن الأمر كذلك في سورة الطلاق، حيث لم يتعرض لـ (عضل)، ولا ذكر (مضارة)، وكان السياق سياق تقرير أحكام، لم يذكر ورود التعبير بلفظ {أو فارقوهن} عن الانفصال، واكتفى فيما يراد من المجاملة في الحالين بقوله: {بمعروف}. فمن أجل هذا الملحظ اختلف التعبير في كلا الآيتين، وجاء كل لفظ في موضعه بما يناسب السياق الذي جاء فيه، وهذا شأن القرآن دائماً.

وقد قال ابن عاشور هنا: (الإمساك) اعتزام المراجعة، عبر عنه بـ (الإمساك)؛ للإيماء إلى أن المطلقة الرجعية لها حكم الزوجة، فيما عدا الاستمتاع، فكأنه لما راجعها قد أمسكها أن لا تفارقه، فكأنه لم يفارقها؛ لأن (الإمساك) هو الضن بالشيء.

وعدم التفريط فيه، ومنه قوله تعالى: {أمسك عليك زوجك} (الأحزاب: 37)، وأنه إذا لم يراجعها، فكأنه قد أعاد فراقها، وقسا قلبه. ومن أجل هذه النكتة، جعل عدم (الإمساك) فراقاً جديداً في قوله سبحانه: {أو فارقوهن بمعروف}.

وبما تقدم يتبين: أن اختلاف اللفظين في كلا الآيتين، لم يكن عبثاً، وإنما جاء كل لفظ منهما ليفيد معنى محدداً، لم يفده اللفظ الآخر.

المصدر: موقع إسلام ويب